حقوق المرأة هل استَكْمَلها الإسلام أو هَضَم شيئًا منها
السؤال:هل حقوق المرأة في الإسلام كاملة أو ناقصة؟ وهل هناك حقوق يجب أن تَتمتَّع بها المرأة حَرَمها منها الإسلام؟ أرجو الجواب بتفصيل
الجواب: الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا _ رحمه الله
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: إن الحديث عن حقوق المرأة هو فرع عن معرفة وضْع المرأة في المجتمع كما يجب أن يكون،
وكما أراده لها خالقُها وخالق الرجل، وميَّز بينهما في الخِلقة ذلك التمييز الواقع في خِلقة الذَّكَر والأنثى، الدال على اختلاف في الوظائف التي هُيئ كلٌّ منهما لها في هذا المجتمع، لكي يَقطَعا ويَجتازا مرحلة هذه الحياة الدنيا متعاونَيْن على أعبائها في الطريق إلى الحياة الآخرة إن كانا مؤمنَيْن، أو إلى غير غاية أُخروية إن كانا غير مؤمنيْن، ومن الذين قال الله ـ تعالى ـ عنه: (وقالوا إنْ هي إلا حَياتُنا الدُّنْيا وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام: 29).
إن هذه الحياة لها هدف يجب أن تَهدِف إليه.
وليس هذا الهدف إلا أن يَتَعايَش الناس في حياة كَرِيمة تَليقُ بالإنسان، مُتعارِفين متعاوِنين على ما يَجعلها حياة ميسَّرة،
وهذا الهدف للحياة محلُّ اتفاق بين المؤمنين وغير المؤمنين، وإلا كان الأصل في الحياة والهدف منها أن يَقْتتِل الناس، فيَقتُل بعضهم بعضًا، وتكون غايتها عندئذ التدمير لا التعمير، وهذا لا يقول به عاقل، وقد صدَق الله ـ تعالى ـ إذ يقول: (يا أيُّها الناسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ مِن ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وقَبائلَ لِتَعارَفُوا) (الحُجُرات: 13).
إن هذا التعاون على الحياة يَستلزم توزيع الوظائف؛
لأن أعباء الحياة كثيرة وكبيرة، وطوارئها لا تُحصَى،
فبالتعاون البشري بين الأفراد والجماعات تُذلَّل صِعابها ويَطِيع عَصِيُّها، وتَتدلَّى ثمارها التي يَكدَح الناس لأجل الحصول عليها، ويجد كل إنسان عند الآخر ما يُكمِّل حاجته، ويُتمِّم طاقته وقدرته.
ودون هذا التعاون تكون الحياة فوْضَى لا تؤدي إلى هدفها بإقامة التوازن فيها ووفاء متطلَّباتها، بل تَؤول إلى الظلم والفساد والتَّباب.
هذا، وإنَّ اختلاف التَّكوين الجسدي بين الذكر والأنثى، أو الرجل والمرأة لم يكن إلا لِيَدُلَّ على اختلاف الوظائف بينهما في هذه الحياة الاجتماعية للبشر،
الذين خُلِقوا لِيَعيشوا في جماعات منظَّمة تَحتاج الحياة الاجتماعية فيها إلى توزيع العمل بمُجمَله بين الذكور والإناث.
فلكلِّ فريق مهمةٌ يجب أن يَنصَرف إليها، إلى جانب المهمّات المشتركة، وأنْ يُعَدَّ أفراد كل فريق لمهمته الخاصة وللمهمات المشتركة إعدادًا كافيًا.
وهذا يَستلزِم أن يكون لكلِّ فريق من الرجال والنساء حقوق، وعليه التزامات، فيما بين بعضهم وبعض، لكي تَتحقَّق الحياة الكريمة اللائقة بالإنسان، كما أرادها له خالقه، (أو كما تَقتضيه طبيعته، وما تَميَّز به من العقل في نظر غير المؤمنين).
وإن حقوق كلِّ فَرِيقٍ تَنبُع من نَوع مهمَّته في الحياة، وتتناسب مع التزاماته فيها؛ لأنه بدون هذه الحُقوق لا يستطيع أن يَقوم بالتزاماته حقَّ القيام.
هذه أسس ورَكائز في مرحلة الحياة الإنسانية الصَّالحة، ومَعالِم في طريقها، ومبادئ في فلسفتها لا يُمارِي فيها إلا مُكابِر أو ذو غَرَض سيِّئ.
وبمقتضى هذه الأسس يجب أن يكون تعليم النساء والرجال على قسمين: قسم مشترك يَخدُم المهمَّات المشتركة لكل فريق، وقسم مختلف يَتعلَّم فيه كلُّ فريق ما يَتطلَّبه القيام بمهماته الخاصة به في طريق الحياة ومسيرتها في تكوين الأسر التي هي الخلايا الاجتماعية، وفي إمدادها بوسائل الحياة، وفي تنشئة الأجيال الصاعدة؛ ذلك لأن وظيفة العلم هي خدمة العمل، وخير علم لكل فرد هو ما يُعِينُه في نوع عمله ويُنوِّره فيه.
هذا، وفي ضَوء ما تَقدَّم نَأْتي إلى الإجابة عن السُّؤال في موضوعِنا، هو حقوق المرأة في الإسلام هل هي كاملة أو ناقصة؟
أول ما يَستَوقفنا في الجواب عن هذا السؤال هو لزومُ التمْيِيز بين الحقوق التي يُقِرُّها ويُوجِبها التَشْريع، أي: النظام السائد في المجتمع، وبين تصرفات أفراد المجتمع وأعمالهم. فليست ممارساتُ الأفراد المُخْتلفة الطبائع والعقول والميول والتربيَة والأخلاق بِحُجَّة على التشريع وقواعده ونظامه السائد.
ففي كلِّ مُجتمع يوجد من يَعصِي القانون والنظام، فيَسرِق ويَقتُل مثلاً، ويَرتكِب ما يَشاء وما يُتاح له من أنواع الانحراف، وفي كل مجتمع من يُسِيء معاملة زوجته، ويَنظُر إلى المرأة نظرة امتِهان، ويَستغلُّ قوَّته ضد ضعفها، شأن كل ذي قوةِ قليل العقل والإنصاف. ولا يُعتبر وجود هؤلاء المنحرفين في المجتمع حجة على قانونه ونظامه، بل إن قانون المجتمع ونظامه يجب أن يُناقَش ويُحاكَم على أساس ما يُنتِجه حسنُ تطبيقه بعدل وعقل ورعاية لمقْصد الشارع من أحكام قانونه.
فكلُّ انحراف عن خط النظام المشروع هو إجرام، ولا يَخْلُو ـ ولن يَخْلُوَ ـ مجتمع من جرائم ومجرمِين يجب أن يُزجَروا بالزَّواجر المشْروعة التي أُنشئت لأجلها المحاكم والسجون، إلى جانب التوجيه الإصلاحي لإصلاح المنْحرفين.
فما هي الحقوق التي يجب أن تَتمتَّع بها المرأة شقيقة الرجل وحَجَبها عنها الإسلام فحَرَمها منها؟
فلكي نَحكُم بأنَّ الإسلام قد أَنصَف المرأة أو حَرَمها بعض حقوقها يجب أنْ نَعرِف ما الحقوق التي يجب أن تتمتَّع بها المرأة، ومَنَعها عنها الإسلام؟
أ ـ كانت الأُنثى في جاهلية تُوأد في طفولتها خَشية الإمْلاق أو العَار، فجاء الإسلام وأنقذها من الوأد، وندَّد به دستور الإسلام القرآن العظيم أيَّما تنديد، واعتبره (خِطئًا كبيرًا) من أكبر الجرائم.
ب ـ المرأة عند اليهود وفي جاهلية العرب لا تَرِث بل هي تُورَث، فجاء الإسلام، ونَظَّم الإرْث بقواعد، وقَضَى على تلك الجاهلية في معاملة المرأة، وجَعل لها نصيبًا مفروضًا لا يَجوز الانتقاص منه، زوجةً كانت، أو بنتًا أو أمًّا، أو أختًا، بل ولو كانت من ذوي الأرحام البعيدة، في ترتيب مُحكَم يُقدَّم فيه الأقرب والأوْلى، ولكل منهم دَور يَرِث فيه في دوره، حتى إن المرأة قد تَحُوز جميع التركة في بعض الأحوال.
وأما أن نصيب البنت هو نصف نصيب أخيها فهذا له سببٌ وجيه يَقتضيه العدل بينها وبين أخيها. ذلك أنَّ أخاها عليه التزامات ماليَّة في الحياة ليس شيء منها على أخته؛ فهي قبل أن تَكبُر وتَتزوَّج تكون نفقات حياتها على عاتق أوليائها الذُّكُور من أبٍ أو أخٍ أو غيرهما، فهي غير مُكلَّفة بنفْسها.
وبعد أن تَتزوَّج تكون نفقتها كاملة على عاتِق زوجها في نظام الإسلام. وكذلك نفقة الأولاد جميعًا ولو كانت الزوجة الأم غنية.
وإذا انْحَلَّ زواجها بطلاق أو موت عادتْ إلى أوليائها وأصبحوا هم مُكلَّفين بنفقتها الحيويَّة كلها. فهي بعد هذا إذا وَرِثت من أبيها نصف ميراث أخيها فإنما تأخُذه للتوفير لا للحاجة. بيْنما أخوها يأخُذ الضِّعف منه على نفْسه وعلى غيره من زوجة وأولاد وأقارب مُحتاجِين.
ج ـ إن الأجانب في أوروبا وأمريكا متى بَلَغتِ البنت سِنَّ الرُّشْد لم يَبْقَ أحدٌ مُكلَّفًا بإعاشتها قانونًا، بل عليها أن تَنطَح المجتمع، وتَغُوص في حَمْأته، وتَكتَسب رِزْقها بكَدِّ يمينها وعَرَق جبينها وبعِرضها وبكلِّ وسيلة لديها!
فأيُّ النظامين أكثر إنصافًا للمرأة، واحترامًا وتقديرًا لها ولدَورها في الحياة.
د ـ في طَليعة الحقوق التي تُذكَر في هذا المقام الحرية، أي حرية الإرادة.
فهل أَعطَى الإسلام للمرأة من حرية الإرادة ما تَستَحق، أو حَجَب عنها هذه الحرية؟.
إنَّ الإسلام قد أَعطَى المرأة منذ بُلوغها حرية اختيار الزوْج والموافقة عليه. فليس لأحد من أبيها أو سائر أوليائها أنْ يُزوِّجها بإرادته دون إرادتها، أو يُزوِّجها مَن لا تُريده هي. فلها الحرية في قَبول أصْل الزواج أو رفْضه، وفي اختيار الزوْج. ولكنْ إذا عَضَلها الولِيُّ من أبٍ أو غيره فلها أنْ تَرفَع الأمر إلى القاضي فيُنقِذها من تعسُّف وَليِّها.
ونحن إنما نَتكلَّم في أوسع المذاهب الفقهية المُعتبَرة من المذاهب الأربعة، وإن كان بعضها فيه بعض القيود على حرية المرأة في موضوع الزواج.
هـ ـ أوْجَب الإسلام على المرأة أنْ تَتعلَّم، وعلى أوليائها أن يُعلِّموها كلَّ ما تَحتاج إليه في تطبيق أحكام عبادتها ودِينها، وسائر ما تَحتاج إلى معرفته في أداء مهماتها، وجَعَل ذلك فريضة عليها وعليهم؛ لأن العلم في الواقع هو مِفتاح الحياة، فهو حق وواجب في وقت واحد.
و ـ وقد أَعطَى الإسلام المرأة حرية التصرف فيما تَملِك من أموال كالرجل تمامًا، ولم يَجعل لأبيها أو سائر أوليائها بعد الأب، أو لِزوجها إنْ تَزوَّجت، أيَّ حق للتحكُّم في تصرفاتها الماليَّة، بينما في فرنسا وفي دول أخرى أجنبية حتى يومنا هذا إذا تَزوَّجتِ المرأة ولها مال فإن القانون يَمنعها من حق التصرف في أموالها دون موافقة الزوج، فله شِبْه وِصاية عليها.
فأيُّ النظامين الإسلامي أو غيره أكثر احترامًا لحرية المرأة في تَصرُّفها بأموالها؟.
ز ـ نعم إن الإسلام لم يُعطِ للمرأة حق إبراز مفاتِنِها الجسَديَّة للرجال الأجانب، واعتَبر في ذلك مَفْسَدة اجتماعية عظيمة ومَدْعاة للفتنة وسُوء نتائجها، بل أوْجَب عليها الإسلام أن لا تَظهر أمام الرجال إلا بلباس الحِشمة الذي حدَّده القرآن نفسه، حيث يقول في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب/59]. وقوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ...) [النور/31].
نعم. إنَّ الإسلام قد مَنَح المرأة حرية الحقوق، وحَجَب عنه حرية الفُسوق التي يَتَباهَى بها الغربيُّون الذين اتَّخذوا من حرية المرأة في الفُسوق سِلْعةً لشهواتهم.
هذا، وأُكِرِّر القول والتنبيه على أن مُحاكمة النظام يجب أن تَنظُر إلى مضمونه، وليس إلى واقع حال الناس في تطبيقه وانحرافاتهم عنه.
ونحن لا نُنكر أنه يوجد كثير من الرجال في المحيط الإسلامي نفسه يَظلمون نساءهم، ويُسيئون معاملاتهن، بل يُعامِلونَهن كأسِيرات، مستغلِّين ضعفهن بأنانيَّة واستكبار، ولكن هؤلاء جُهلاء ومنْحرفون يجب توعِيتهم وإصلاحهم، فإن لم تَنفع الموعظة فيهم يجب تأديبهم، وإن الإسلام وأحكامه العادلة هي الحجة، وليس تصرفهم المنحرف المسيء.
إن المرأة اليوم في بعض البلاد الإسلامية نفسها قد وَصَلت إلى أعلى مركز تشريعيٍّ وإداري في سلطة الدولة يَصل إليه الرجل، وإن كنّا لا نَرى هذا من وظائفها التي هَيّأها الله ـ تعالى ـ لها، ولا نَرى لها في هذا نعمة، بل متاعب وإرهاقًا وتعطيلاً لأنوثتها، على حساب نعيم الحياة الداخلية للأسرة، الذي لأجل تحقيقه يَكدَح الرجال في الحياة الخارجية، ويُعارِكون المصاعب والمتاعب. ودَخلتِ المرأة في الجامعات طالبة وأستاذة.
فماذا بَقِيَ للمرأة من حقوق لِتُطالِب باستكمالها إلا أن تَتساوَى والرجل في التكوين الجسدي والأعضاء؟!
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف/108].
والله أعلم.
منقول